إني أعاني من قسوة أمي الشديدة منذ طفولتي، رغم ما يعرف عني من هدوء وطاعة لها. إنها تتحكم في كل شيء بحياتي، عدا دراستي فقد كنت بها ـ ولله الحمد ـ متميزة، وعندما تخرجت رفضت من تقدم لي من أهلي، ووافقت على رجل متزوج! ليس إلا لأنها ترى أني لا أستحق أكثر فهو غني ونسبه يليق بها. ومع ذلك فقد كان زوجي يقسو علي، ومن أسباب قسوته: خوفه من أن أكون مثل أمي في التسلط. ولم تكن أمي عونا لي، بل كانت تهينني وتعيّرني، وعندما طلقت وعدت للمنزل بدأت في حرب ضروس للتضييق علي حتى أعود لمطلقي، رغم أنها تعرف أسباب طلاقي، وهي تدري أنه من تجبر وأني كنت مظلومة.
المشكلة أنها تحاربني في كل الاتجاهات، سواء في المجتمع أو في البيت، وأنا لا أعرف كيف أتفادي دعاءها على.. إن العلاقة بيننا معدومة! بمجرد وجودنا في أي غرفة تبدأ في إيذائي والدعاء علي، مع أني لا أفعل أي شيء! وقد وصلت الكراهية والبغض بيننا إلى حد أني أتضايق من سماع صوتها أو رؤيتها أمامي.. لكنها لا ترحمني وتهينني أمام الجميع، والكل يعرف أنها مخطئة ولكن لا أحد يستطيع تغييرها.
أرجوكم أعينوني.. كيف أتعامل معها؟ وأفيدوني: هل الحل لتفادي إيذائها ودعائها تجنب الجلوس معها؟!
الإجابة : [ أجابت عليها المستشارة فدوى الخريجي بالمدينة المنورة ]
أسأل الله أن تصل إليك رسالتي هذه وأنت في أحسن حال.
عزيزتي: وصلتني رسالتك، وأسأل الله أن يوفقني لإيجاد حل لها. فأقول لك في نقاط:
1- أولاً ودائماً عند حل أي أمر يصعب عليك، عليك بالدعاء واللجوء إلى علام الغيوب وكاشف الهم والغم وسبحانه وتعالى.. في كل وقت من أوقات الإجابة اسأليه أن يساعدك وأن يرشدك إلى الصراط المستقيم .
2- أقول لك ولكل من عنده مشكلة مماثلة سواء مع الأم أو الأب أو الزوج أو الأبناء أو الأصدقاء... إنه يجب علينا أن نستفيد من أي مشكلة تمر علينا وأن نستمدها لصالحنا. ولذلك:
أ- كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا رأوا من نسائهم أمرا يحزنهم أو من أولادهم.. أو حتى إذا استعصت عليهم دوابهم؛ فإنهم يتهمون أنفسهم مباشرة ويلجؤون إلى محاسبتها وأنه أصابهم هذا الأمر بسبب ذنوبهم ومعاصيهم فيتقربون إلى الله بسبب هذه المشكلة ويكثرون من الاستغفار.. قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ..}.. لذلك يجب علينا أولاً أن نحاسب أنفسنا ونتوب من الذنوب والمعاصي ونكثر من الصدقات؛ حتى يغفر الله لنا ولا يعاقبنا بتسلط أحد علينا من أم أو أب أو زوج أو غيرهم.
ب- إذا لم يعلموا من أنفسهم معصية أو ذنباً (ومن منّا يسلم؟! نسأل الله أن يرحمنا برحمته) يعتبرون هذا الأمر الذي أصابهم ابتلاء من الله وامتحانا فيصبرون ويحتسبون الأجر. فاصبري واحتسبي الأجر عند الله.
3- بالنسبة لوضعك بعد أن تطمئني على نفسك من ناحية علاقتك مع الله وحده، ومحافظتك على العبادة الحقة ـ اعتبري هذا ابتلاء من الله لك ليبدي صبرك من عدمه. ثم لا بد لك من المحاولة للدخول إلى قلب هذه الأم التي حملتك وأرضعتك وربتك وجعل الله لها من الحقوق أكثر من غيرها ـ حتى لو كانت كافرة ـ ولكن فيما لا يغضب الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
أكيد أنك على علم وثقافة، فأنصحك بأن تحتويها وتحاولي أن تبدئي معها صفحة جديدة وعلاقة جديدة تنسون بها الماضي، ابدئيها بهدية أو كلمة طيبة أو جلسة اعتذار وصدق أو رسالة صادقة مرفقة بهدية.. حاولي أن توفري لها كل الأشياء التي تحبها.
صدقيني كل إنسان عنده نقطة ضعف.. حاولي أن تتعرفي عليها وأن تصلي إليها من خلالها؛ لاطفيها، لا تجادليها، سلمي لها وتنازلي في الأمور التي ليس بها معصية لله، فهذه مهما يكن والدتك. ابتعدي عن كل شيء يحزنها أو يؤذيها أو يجرحها أو يجعلها تنفعل وتخاصم. واحتسبي الأجر عند الله واسأليه الثبات، وبإذن الله سينصرك الله.. ثم إذا حاولتِ واجتهدتِ ولم تصلي معها إلى نتيجة لا تقنطي واعلمي أن لكل شيء نهاية ، هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، وأتمنى أن أعرف حالك بعد ذلك ولكن لا تستعجلي الثمرة.